المناضلة سميحة خليل

10 سبتمبر 2019
المناضلة سميحة خليل

بقلم اللواء ركن عرابي كلوب

المناضلة سميحة خليل واحدة من رواد ورموز الحركة الوطنية الفلسطينية الإنسانية والنسوية ورئيسة جمعية إنعاش الأسرة، والتي لعبت دوراً واضحاً في عملية النضال الوطني، والتي ساهمت بصورة فاعلة في مواجهة الظلم الاجتماعي الواقع على النساء الفلسطينيات من خلال تقديم دعم لهن عبر مؤسسات وجمعيات، والمرشح الوحيد المنافس لانتخابات رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1996م.

ولدت سميحة سلامة يوسف خليل الـقبج (سميحة خليل) في بلدة عنبتا قضاء طولكرم الواقعة شمال الضفة الغربية عام 1923م، تزوجت من سلامة خليل ولها خمسة من أبناء، ولم تسنح لها الفرصة للتعليم في الصغر فأكملته بعد مرور خمسة وعشرون عاماً من الزواج.

بدأت سميحة خليل نشاطها الفعلي على الصعيد الاجتماعي والوطني منذ أواسط الخمسينات حيث أسست عام 1952م جمعية الاتحاد النسائي العربي في البيرة وكانت رئيسة لها، وفي بداية الستينات ساهمت في تأسيس الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وشاركت ضمن وفد اتحاد المرأة في أول مجلس وطني فلسطيني عقدته منظمة التحرير الفلسطينية في مدينة القدس عام 1964م.

أسست سميحة خليل عام 1965م مع مجموعة من السيدات جمعية إنعاش الأسرة وكانت رئيسة لها حتى انتقلت إلى الرفيق الأعلى.

لقد أطلت المناضلة سميحة خليل على المشهد الفلسطيني خصوصاً في مرحلة ما بعد الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967م، حيث لعبت دوراً رائداً في المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني، وشاركت بفعالية في قيادة الجبهة الوطنية الفلسطينية ورفعت عالياً رايتها، ودعت إلى مناهضة الاحتلال الإسرائيلي وتكريس الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، كما شاركت في لجنة التوجيه الوطني، ودافعت بكل قوة عن برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، ما أدى إلى اعتقالها على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي مرات عديدة وفرض الإقامة الجبرية عليها وحرمانها من السفر لرؤية أبنائها لمدة طويلة.

عام 1980م فرضت قوات الاحتلال الإسرائيلي عليها الإقامة الجبرية لمدة سنتان ونصف ومنعت من السفر بعد ذلك لمدة أثنى عشر عاماً حيث لم يسمح لها خلال هذه المدة بمشاركة عائلتها في فقدان أختها وحفيدها.

لعبت سميحة خليل دوراً بارزاً في قيادة الحركة النسائية والاجتماعية الفلسطينية من خلال رئاستها للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، ورئاستها لجمعية إنعاش الأسرة وكذلك من خلال دورها في قيادة الاتحاد العام للجمعيات الخيرية، وكان لجمعية إنعاش الأسرة مكانة خاصة في قلبها، وكانت تعتبرها بمثابة أسرتها الحميمة، وجمعتها مع عضواتها وموظفاتها وطالباتها أقوى أواصر المحبة والترابط ومن خلالها أعطت سميحة خليل جلّ طاقتها لخدمة القضية الوطنية ولخدمة المرأة الفلسطينية والأسر الفقيرة وأهالي الشهداء والمعتقلين، ولعل أبرز محطة في مسيرتها الوطنية والسياسية وأكثرها إثارة هي انخراطها عام 1996م في المعركة الانتخابية وخوضها المنافسة على رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية في مواجهة الرئيس/ ياسر عرفات رحمه الله مكرسة بذلك تقليداً جديداً وعظيم الدلالة في الساحة الفلسطينية والعربية من خلال حق المواطن المنافسة على أرفع المناصب السياسية.

قامت سميحة خليل بتمثيل المرأة الفلسطينية في العديد من المؤتمرات الدولية، ومنعت من حضور بعضها لأسباب أمنية.

أسست سميحة خليل وشاركت في العديد من الجمعيات والاتحادات منذ العام 1965م، فإلى جانب جمعية إنعاش الأسرة، ساهمت في جمعية الشابات المسيحيات، واتحاد الجمعيات الخيرية في القدس، وكانت رئيسة اتحاد الجمعيات التطوعية الذي ضم في صفوفه (55) جمعية من الضفة والقطاع.

كانت سميحة خليل عضو شرف في اتحاد المحامين العرب، وعضو شرف في الاتحاد النسائي العربي.

كانت سميحة خليل ذات شخصية شديدة التنوع، عاشت حياة حافلة بالمعاناة والكفاح مليئة بالمواقف والحكايات والانفعالات وتتناوب فيها الآمال مع الإحباطات، كانت امرأة ذات انتماء وطني عميق، لا تعرف الحياد إزاء القضايا، سواء الصغيرة منها أو الكبيرة، تتكلم بوضوح ولا تخفي وجهة نظرها، تستمع للآخرين وتتفاعل مع قضاياهم، تفرح لأفراحهم وتحزن لمآسيهم، وتهب دون تردد لمساعدتهم أو التخفيف عنهم.

كانت امرأة ذات انفعالات طبيعية وصادقة إزاء الحياة ومستجداتها، تضحك من كل قلبها لنادرة سمعتها، وتعبر عن غضبها بشكل مكشوف إزاء أدنى تقصير أو إهمال، تتحدث عموماً بهدوء، كانت لها فلسفة واضحة في الحياة بسيطة بالإمكان التعرف بسهولة على أبرز ملامحها من خلال تأمل مواقفها وممارساتها اليومية.

بعد حياة حافلة بالنضال والعطاء على المستويين الوطني من أجل أحقاق حقوق الشعب الفلسطيني والديمقراطي والاجتماعي من أجل النهوض بأوضاع الفلسطينية والارتقاء بدورها في المجتمع الفلسطيني والمساهمة في صنع القرار الوطني والتمتع بحقوقها كافة بعيد عن التمييز، عادت روحها إلى بارئها بعد عمر طويل من الكفاح بتاريخ 26/2/1999م، حيث دفنت في مقبرة البيرة.

لقد ناضلت الراحلة الكبيرة على مدار مرحلة كبيرة وطويلة من حياتها من أجل رفعه شأن المرأة الفلسطينية وضمان تمتعها بجميع حقوقها على قدم المساواة إلى جانب أخيها الرجل.

لقد ناضلت من أجل حرية واستقلال الشعب الفلسطيني.

سمية خليل الراحلة الكبيرة آمنت بضرورة محاربة التخلف والرجعية الفكرية وبناء مجتمع فلسطيني ديمقراطي عصري قائم على تحرر الفكر والذات نحو التحرر الوطني من الاحتلال الإسرائيلي واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بإذن الله.

لقد تركت الراحلة الكبيرة سميحة خليل إرثاً نضالياً وتقدمياً حافلاً سيفي هذا الإرث نبراساً للأجيال القادمة يهتدون به.

لقد تركت سميحة خليل بفقدانها فراغاً كبيراً في الحركة النسوية الفلسطينية، وسوف يبقى الجميع أوفياء لكل القيم النبيلة التي ناضلت وقضت من أجلها.

تغمدك الله بواسع رحمته واسكنك فسيح جنانه