بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد ممدوح صبري صيدم في قرية عاقر قضاء الرملة عام 1940م, وعندما أجتاحت العصابات الصهيونية قريتهم اضطرت أسرته للنزوح واللجوء إلى مدينة المجدل ومن تم حط بهم المطاف في معسكر اللاجئين بالنصيرات القريب من البحر الأبيض المتوسط في قطاع غزة.
تلقى الطالب/ ممدوح تعليمة الابتدائي والإعدادي بمدارس النصيرات التابعة لوكالة الغوث ومن ثم التحق بمدرسة خالد بن الوليد الثانوية حيث كان يحظى فيها بحب رفاقه وأصدقائه من الطلاب والمدرسين لما كان يتحلي به من سجايا الوفاء والصدق في تصرفاته.
في العام 1956م وأثناء العدوان الثلاثي على مصر واحتلال قطاع غزة من قبل إسرائيل تم اعتقاله مع والدة حيث أودعا معسكر التجمع وقد تعرض الطالب ممدوح فيها لتعذيب وحشي أمام أعين والده.
بدأت أفكار ممدوح تكبر معه وإحساسه بالحقد والكراهية لهذا العدو ينمو في أعماقه, وعندما أنهى الثانوية العامة كان أمله أن يلتحق بالكلية الحربية المصرية, إلا أن الظروف لم تمكنه من تحقيق ذلك, فالتحق بجامعة الإسكندرية حيث حصل منها على ليسانس في الجغرافيا, وأثناء دراسته في الجامعة أصبح رئيساً لفرع الطلاب الفلسطينيين فيها.
عندما تخرج عام 1963م عاد إلى غزة ليفتش عن عمل حيث التقاه كل من الأخوة/ خليل الوزير وأحمد وافي وأقنعاه بالالتحاق بحركة فتح حيث سافر في ذلك العام إلى الجزائر, عمل مدرساً في مدينة بليدة ولمدة قصيرة وبعدها ترك التدريس وتفرغ للعمل في مكتب فلسطين بالجزائر حيث كلف بشؤون البعثة الثقافية والتعليمية والطلابية للشباب الفلسطيني هناك, بعدها التحق بكلية شرشال الجزائرية وأتم تدريبه العسكري فيها, وبعد العام 1967م أكمل دراسته العسكرية في كلية نانكين بالصين.
أشرف أبو صبري على تخريج دفعة من الضباط الفلسطينيين من الكلية العسكرية الجزائرية وعندما غادر الأخ خليل الوزير الجزائر إلى بيروت عام 1965م وتفرغ للعمل العسكري ثم استدعاء أبو صبري إلى بيروت حيث عملاً مع رفاق آخرين لهم على نشر أفكار الحركة.
في العام 1966م وتحديداً في شهر مايو عندما قتل النقيب البعثي (يوسف عرابي) والذي أراد الاستيلاء على حركة فتح وعمل انقلاب فيها بدافع من قبل المخابرات السورية واستشهاد الأخ/ محمد حشمت ثم اعتقال أبو صبري ضمن قيادة حركة فتح الأولى المتواجدة في سوريا حيث مكثوا في السجن ثلاثة أشهر وهم الأخوة/ أبو عمار, أبو جهاد, أبو العبد العكلوك, زكريا عبد الرحيم, مختار بعباع, أبو علي إياد, عبد المجيد الزغموط والذي حكم عليه بالإعدام ولم ينقذ وبقى في السجن أكثر من ثلاثون عاماً حتى توفاه الله, كادت هذه الحادثة أن تهدد مسيرة انطلاقه حركة فتح في البدايات.
بعد هزيمة حزيران عام 1967م اجتمعت قيادة حركة فتح وتحديداً بتاريخ 27/8/1967م حيث قررت البدء في الانطلاقة الثانية للثورة الفلسطينية حيث دفعت قيادة الحركة بخيرة كوادرها إلى داخل الأرض المحتلة لقيادة العمليات العسكرية هناك, وكان من أبرز هؤلاء الكوادر القائد/ ممدوح صيدم (أبو صبري) الذي توجه إلى مدينة نابلس لقيادة العمليات, حيث كانت أشهر معارك التصدي والاشتباك مع العدو هي معركة (بيت فوريك) التي حدثت بتاريخ 7/12/1967م حيث تكبد العدو خسائر فادحة رغم استخدامه الطائرات المروحية والمدفعية.
أثناء انعقاد المؤتمر الثاني للحركة عام 1968 في منطقة الزبداني بسوريا انتخب أبو صبري عضواً في اللجنة المركزية لحركة فتح وعضواً في القيادة العامة لقوات العاصفة وعين نائباً للقائد العام لقوات العاصفة لشؤون العمليات.
عاد أبو صبري إلى الأردن بطلب من القيادة وأثناء عملة على الساحة الأردنية حرص على بناء علاقات جيدة مع قيادات الجيش الأردني منهم على سبيل المثال (اللواء مشهور حديثة الجازي قائد الفرقة الأولى والعقيد الركن/ سعد صايل قائد هندسة الفرقة الأولى في الجيش الأردني وآخرين) وقد نجح في كسب ثقتهم واحترامهم وتعاونهم. في معركة الكرامة الشهيرة بتاريخ 21/3/1968م تميز أبو صبري بعطائه وجلده وقدرته على التحمل وقاتل قتال الأبطال في تلك المعركة.
شارك أبو صبري في بناء قوات العاصفة قاعدة, قاعدة, ومجموعة, مجموعة وسهر الليالي الطوال باذل الجهد والعرق والصحة في عملية البناء الشاق والطويل حتى باتت بصمات القائد أبو صبري على كل المنشآت العسكرية وعلى كل قاعدة.
كان أبو صبري من أوائل من فكروا في القواعد الارتكازية على حدود فلسطين في الأردن, كان دائماً في الخطوط الأمامية المتقدمة يقضي كل وقته مع المقاتلين بينهم, كانوا جميعهم يعتزون به ويفتخرون بشجاعته وعطاءاته وتفانيه في العمل, كان مقداماً لا يعرف الخوف ولا التردد.
لقد كان القائد أبو صبري رجل المهمات الصعبة وخاصة مهمة الاتصالات والعلاقات مع ضباط الجيش الأردني الباسل وقد أتقن مهمته إتقاناً رائعاً أدى إلى نتائج باهرة في معركة الكرامة الخالدة.
كان القائد أبو صبري أنموذجاً للمناضل الصلب الذي ينكر ذاته ويغلب مصلحة الوطن والقضية على مصالحه الخاصة ويتمسك بالمسلكية الثورية ويتحلى بقوة الإرادة والشجاعة.
في أحداث أيلول الأسود عام 1970م كان على رأس قوات الثورة الفلسطينية الصامدة في منطقة جرش.
كان القائد أبو صبري يعتني بكل خلية في الأرض المحتلة بعناصر كل قاعدة على الضفة الشرقية من نهر الأردن ويشرف على إرسال المجموعات القتالية التي تدخل إلى الأرض المحتلة.
أبو صبري لم يرهبه الموت أبداً ولم يتقهقر في أي معركة من معارك الثورة, كان ثابت العزم, شجاع, مقدام, لقد قاتل هذا القائد بكل صبر وإيمان.
لقد كان أبو صبري رجلاً صلباً مخلصاً في توجهاته الوطنية, شجاعاً مقداماً في ساحات القتال, إنساناً عفيفاً كريماً معطاءً في المواقف الإنسانية, صادق الوعد, لقد كانت فلسطين بالنسبة له أهله وعشيرته وأمة التي انتقلت إلى رحمة الله تعالى وهو في الثانية عشر من عمرة, كان صاحب القيم والمبادئ السامية, إنساناً في سلوكة وتصرفاته, ملتزماً ومنضبطاً, لقد كان اندفاعه الصادق كما وصفه الشهيد القائد/ صلاح خلف قد أوصله إلى تبؤ أرفع المناصب العسكرية والتنظيمية في حركة فتح مبكراً, لقد كان من الرعيل الأصيل لهذه الحركة الأصيلة.
ترأس القائد/ ممدوح صيدم وفود عسكرية قامت بزيارة كل من الصين والاتحاد السوفيتي وبعض الدول العربية.
انتقل القائد البطل ممدوح صبري صيدم/ أبو صبري إلى جوار ربه صباح يوم السبت الموافق 24/7/1971م في المستشفى بدمشق بعد شهور مريرة قضاها في مصارعة المرض الذي ألم به فجأة حيث فارق الحياة وصعد إلى الرفيق الأعلى لقد صدق عهدة وقضى نحبه.
لقد فقدت الثورة الفلسطينية وحركة فتح والشعب الفلسطيني بموته فارساً من فرسانها الأشاوش وقائداً من أبرز قادتها الميدانين وهو ما زال في ريعان شبابه التي قضاها في الجهاد والنضال من أجل وطنه الحبيب فلسطين, حيث ووري جثمان الشهيد الثرى في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك بعد أن تمت الصلاة عليه في جامع فلسطين.
هذا الرعيل من القادة الرموز الذين قضوا نحبهم ونحن الباقون مشاريع شهادة ننتظر.. فالعهد هو العهد… والقسم هو القسم.
من أقوال الشهيد/ أبو صبري (من المهم أن نبدأ بالثورة ولكن الأهم الاستمرار بالثورة حتى النصر).
وفي محراب شهيدنا أبو صبري نتذكر رموز ثورتنا العملاقة الذين كانوا جسراً لعبورنا إلى أرض الوطن, الذين رسموا المشوار الطويل قبل خمسين عاماً نتذكر في هذا المقام شهيد حركتنا الأول الشهيد البطل/ أحمد موسي ونتذكر كافة شهداء اللجنة المركزية.
وفي هذه اللحظات التاريخية من عمر شعبنا تفرض علينا مهمة تخليد ذكرى كل الشهداء, ليس فقط القادة الرموز منهم والأعمدة المعنوية الضخمة التي عليها يرتقي إلى السماء صرح البنيان الفلسطيني الراسخ, بل علينا أن نخلد معهم معارك الشرف والبطولة وندونها في التاريخ الفلسطيني ليضيء للأجيال القادمة الطريق حيث أنهم رسموا بدمائهم خارطة الوطن فلسطين الحرة.
أبا صبري فليرحمك الله بواسع رحمته, وسلاماً عليك وأن يجعل مأواك الجنة, إلى جوار النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.