بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
محمد اسماعيل محمد الكحلوت من مواليد قرية نعليا بتاريخ 4/12/1936م من أبوين مكافحين ومن عائلة مناضلة، تفتحت عيناه على قضية شعبه منذ الصغر، عاش منذ طفولته في قرية نعليا قضاء قطاع غزة، حيث أنهى دراسته الابتدائية في مدرستها الوحيدة الصغيرة في منطقة تسمى الجرن، ثم تابع دراسته الاعدادية في مدارس المجدل، التي لم يكملها بسبب النكبة الفلسطينية التي حصلت عام 1948م، والتي شردت عشرات الآلاف من أبناء شعبنا الفلسطيني من ديارهم الأصلية إلى مخيمات الشتات والغربة، حيث هاجرت أسرته إلى مدينة خان يونس والتي أكمل بها دراسته الإعدادية ومن ثم الثانوية، حيث كان من المميزين والمتفوقين جداً في دراسته، مما أهله إلى أن يعمل مدرساً وهو في الثانوية العامة بنفس الوقت وذلك من أجل مساعدته أسرته التي أصابها ما أصاب الفلسطينيين من جراء الهجرة.
استمرت إقامة العائلة في مدينة خان يونس إلى ما بعد العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة عام 1956م، حيث اعتقل مع الشباب والرجال الذين تم اعتقالهم من قبل جيش الاحتلال الاسرائيلي، وكان من ضمن الفئة القليلة التي بقيت على قيد الحياة بأعجوبة كان يذكرها الراحل ويتحدث عنها لذويه وأصدقائه، حيث تم إعدام وتصفية العشرات من الشباب في تلك الفترة، والتي زج بها إلى حتفهم الأخير، في مجزرة بشعة ارتكبت بحق شبابنا الفلسطيني في ذلك الوقت، وفيما بعدتم إطلاق سراحه مع بعض الشباب والرجال.
انتقلت الأسرة إلى معسكر اللجوء والهجرة معسكر جباليا للاجئين عام 1957م، وتحت وطأة وظروف الحياة الصعبة التي تعرضت لها الأسرة، فقد أتيحت له فرصة السفر إلى المملكة العربية السعودية للعمل مدرساً في المدينة المنورة وذلك عام 1958م، لمساعدة الأهل وأمل بالعودة إلى الأرض والوطن، لطالما راوده الحلم لذلك.
وجد الأخ/ أبو اسماعيل الكحلوت ضالته في الطريق الصحيح الذي كان يبحث عنه منذ النكبة، وذلك لتحرير الأرض والإنسان، حيث أهتدى إلى تنظيم حركة فتح في السعودية، فكان من النواة الأولى عام 1960م، مع إخوة له أمثال سعيد المزين وأحمد وافي وآخرين، استمر في عمله مدرساً بالمدينة المنورة، بالإضافة إلى مهامه التنظيمية في الحركة، إلى عام 1968م، حيث أنتقل إلى عمان متفرغاً بشكل رسمي، للعمل النضالي.
ومنذ انطلاقة حركة فتح عام 1965م، كان لديها توجهاً بإنشاء مؤسسة ترعى أسر الشهداء وذلك مع ازدياد عددهم، مما استدعى إلى فتح مكتب في العاصمة الأردنية عمان منذ عام 1968م، حيث عينت الأخت انتصار الوزير (أم جهاد) رئيساً لهذه المؤسسة والتي افتتحت لها أفرع في سوريا ولبنان، وعليه تم اختيار الأخ/ أبو اسماعيل ليكون مسؤول مؤسسة أسر الشهداء والجرحى في عمان منذ العام 1968م وحتى عام 1971م، حيث غادر إلى سوريا بعد الأحداث التي وقعت بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني، وأستلم مسؤوليته عن مؤسسة أسر الشهداء والجرحى في دمشق حتى توفاه الله عام 1991م.
لقد كان الأخ/ أبو اسماعيل الكحلوت هادئاً بطبعه، دقيقاً في تنظيم شؤون عمله، عاشقاً للشهادة والشهداء، متفانياً في عمل الخير، يهرع باستمرار لمساعدة الآخرين، كان أباً حنوناً لهم، ويقف إلى جانب المحتاجين.
أبو اسماعيل الكحلوت المؤتمن في عمله، كان يتمتع بثقة عالية، حيث عمل بكل جد واخلاص، بلا كلل أو ملل.
كان الأخ/ أبو اسماعيل الكحلوت مناضلاً مميزاً، صادق صدوق، تعلمنا منه الكثير الكثير، ولا يمكن أن نعطيه حقه في بضعة سطور.
أنتقل الأخ/ محمد اسماعيل الكحلوت (أبو اسماعيل) إلى رحمة الله تعالى بتاريخ 28/7/1991م بعد صراع طويل مع المرض اللعين، وتم دفنه في مقبرة الشهداء بسحاب.
لقد كان الراحل الكبير/ أبو اسماعيل أحد ركائز النضال الوطني الفلسطيني وأحد ثوارها الكبار المؤتمنين على عائلات شهداءنا ومن رجالات فلسطين المشهود لهم بالعطاء.
كان يتمتع بقيم أخلاقية عالية، وكان مثالاً للصدق والالتزام الثوري، أمتاز بالرجولة والأمانة والصدق للشعب والوطن والقضية لقد رحل عنا بعد مشوار طويل من الكفاح والنضال، حيث لم يكن بعيداً عن فلسطين التي أعطاها جل حياته، وكانت قضيته الأولى والأخيرة.
لقد فقدت حركة فتح والشعب الفلسطيني مناضلاً من خيرة مناضليها الأوفياء والأمناء، خلال مسيرة العطاء الثوري التي سطر فيها هؤلاء الرواد الأوائل المخلصون لله والوطن والقضية، صفحات خالدة، ستظل محفورة في ذاكرة الوطن، وسوف تظل ذكراهم العطرة نبراساً للأجيال القادمة.
سيبقى الراحل الكبير/ أبو اسماعيل الكحلوت حاضراً في الضمير الجمعي لشعبنا الفلسطيني، وأننا جميعاً مدينون لكل الشهداء، ديناً لا ينقضي ومطالبون أن نستمر في إحياء ذكراهم العطرة، حيث أنهم الأنبل والأكرم منا جميعاً.
رحمك الله يا حاج أبو اسماعيل وأسكنك فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.