بقلم اللواء ركن عرابي كلوب
ولد/ “محمد يحيى” إسماعيل موسى حمودة في شهر مارس عام 1909م في قرية لفتا القريبة من رام الله، كان والده إسماعيل حمودة من وجهاء قريته وقرى بني مالك، وقد تولى مخترة القرية عام 1919م لمدة سنة واحدة، وكان عضواً في اللجنة الإدارية للجمعية الإسلامية المسيحية بالقدس، توفى والده عام 1921م بمرض السكر.
درس يحيى حمودة القرآن الكريم في القرية ثم التحق بمدرسة الأيتام السورية ودرس فيها الصفوف الأولى حتى عام 1919م ثم التحق بروضة المعارف بالقدس الشريف التي أسسها الشيخ/ محمد الصالح وكان يديرها/ إسحق درويش ابن أخت الحاج/ أمين الحسيني مفتي القدس، وبقى في روضة المعارف لسنتين، التحق بعدها عام 1921م بالمدرسة الرشيدية ودرس فيها حتى عام 1925م، بعد أن أنهى الدراسة في المدرسة الرشيدية التحق بدار المعلمين في القدس من عام 1925- 1927م، تفتح الوعي الوطني ليحيى حمودة خلال دراسته في الرشيدية، فقد كان يشارك في المظاهرات التي تدعو لها اللجنة الوطنية برئاسة موسى كاظم باشا الحسيني ضد الاحتلال البريطاني.
رفض يحيى حمودة بعد تخرجه من دار المعلمين أن يصبح معلماً وفضل الالتحاق بالوظيفة العمومية في دائرة حاكم اللواء بالقدس، فعين بوظيفة كاتب في الدائرة وذلك عام 1929م وعن طريق هذه الوظيفة تعرف بالعاملين في الحركة الوطنية الفلسطينية والتحق بصفوفها وأخذ يشارك في الأعمال الوطنية منذ أحداث البراق عام 1929م.
ساهم يحيى حمودة أثناء ثورة عام 1936م حيث كان يقوم بجمع التبرعات دعماً للثوار، فتم اعتقاله لمدة أربع سنوات دون محاكمة، وأطلق سراحه بكفالة مالية، حيث اتخذت بحقه إجراءات احترازية من منعه من مغادرة القدس وفرضت عليه الإقامة الجبرية، التحق يحيى حمودة في الثلاثين من عمره بكلية الحقوق بالقدس، وحظرت سلطات الاحتلال البريطاني عليه مواصلة الدراسة، وعقب زوال الحظر التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت وتخرج منها عام 1943م بحصوله على إجازة المحاماة، فعاد إلى القدس وفتح مكتبه الخاص في 23/7/1943م.
انتقل يحيى حمودة إلى مدينة رام الله بعد وقوع مجزرة دير ياسين بتاريخ 9/4/1948م وأصدر صحيفة (الهدف) بالتعاون مع برهان الدجاني رافضاً آنذاك الانخراط في أي حزب سياسي، لإيمانه الشديد بضرورة توحيد جهود الجبهة الوطنية الفلسطينية المقاومة للاستعمار، حيث بادر وآخرون إلى تأسيس (الجبهة) وهي تكتل سياسي ذو صبغة يسارية، وكان يحيى حمودة أول من دعا إلى إقامة علاقات مع الاتحاد السوفيتي، بقي في صفوف الجبهة حتى عام 1957م حيث كانت الجبهة على علاقة جيدة مع حكومة النابلسي في الأردن حيث كان عضواً فيها وعندما أجبر النابلسي على الاستقالة تعرض أعضاء الجبهة للملاحقة والمطاردة من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية.
اختفى يحيى حمودة عن الأنظار لفترة وغادر تهريباً إلى شرق الأردن ومنها إلى سورية حيث صدر بحقه حكماً بالسجن المؤبد وسحبت الحكومة الأردنية الجنسية منه سافر بعد ذلك إلى العراق للمشاركة في أحد المؤتمرات العربية، بعدها سافر إلى تشيكوسلوفاكيا عام 1959م وأقام فيها حوالي العامين ومنها إلى ألمانيا الشرقية والاتحاد السوفيتي آنذاك.
عندما تولى خالد العظم رئاسة الوزراء في سوريا قرر يحيى حمودة المجئ إلى سوريا مستفيداً من صداقة قديمة كانت تربط بينهما، وبقي في سوريا حتى العام 1964م إلى أن أصدرت الحكومة الأردنية عفواً خاصاً عنه في أكتوبر من العام نفسه، فعاد إلى رام الله عبر مطار قلنديا.
في نفس العام 1964م طلب المرحوم/ أحمد الشقيري من المحامي يحيى حمودة ورفاقه الانضمام للمنظمة، وأصبح عضواً فيها حيث شارك المحامي يحيى حمودة في المؤتمر التأسيسي وكان في اللجنة التي وضعت الميثاق القومي للمنظمة وبعد هزيمة حزيران عام 1967م أجبر المرحوم أحمد الشقيري على الاستقالة حيث طلب أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن يقدم استقالته جرى فيما بعد إعادة تشكيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وانتخب المحامي/ يحيى إسماعيل حمودة رئيساً لها وفي ذلك الوقت تم فصل السلطة التشريعية عن السلطة التنفيذية أي ( فصل رئاسة اللجنة التنفيذية عن رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني) وذلك عام 1968م وعين السيد عبد المحسن القطان رئيسا للمجلس حيث لم يدم طويلاً في منصبه إذ قدم استقالته عام 1969م وترأس المجلس الوطني الفلسطيني.
بالرغم من أن الراحل الكبير المحامي/ يحيى إسماعيل حمودة لم يتسلم مهمة رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة إلا فترة قصيرة تمتد من كانون أول عام 1967م وحتى شباط 1969م، غير أن هذه الفترة كانت بمثابة مرحلة انتقالية ما بين رئاسته للجنة التنفيذية التي تولاها الرئيس الأول للجنة المرحوم/ أحمد الشقيري والرئيس الثالث للجنة الشهيد/ ياسر عرفات.
شهدت الفترة الانتقالية في عهد المحامي/ يحيى حمودة تغييرات تنظيمية وإدارية وقانونية عديدة هدفت إلى إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية من أجل مواجهة تحديات ما بعد هزيمة حزيران عام 1967م، وكان منها التأسيس العملي لضم الحركات والتنظيمات الفدائية للمنظمة، وإعادة بناء المجلس الوطني الفلسطيني ليمثل التنظيمات والفئات والقوى الفلسطينية المتعددة والتي لم تكن جميعها ممثلة في المجالس السابقة، واستبدل الميثاق القومي الفلسطيني بالميثاق الوطني الفلسطيني، وتعديل اللوائح والقوانين الداخلية للمجلس واللجنة التنفيذية للمنظمة، وكذلك تأسيس قوات التحرير الشعبية التي قامت بدور في العمليات المسلحة ضد إسرائيل، وأخيراً تأسيس مركز التخطيط الفلسطيني للقيام بالتخطيط الإستراتيجي والعلمي لأعمال المقاومة الفلسطينية الهادفة لتحرير فلسطين، ولهذه الفترة أهمية خاصة في سياق تطور الفكر السياسي الفلسطيني.
هذه الفترة كانت بمثابة انتقال المنظمة من حالة التبعية إلى حالة جديدة أخرى مختلفة عنها بالمكونات والمعايير وهي تسلم فصائل العمل المسلح الفلسطيني زمام القيادة في مؤسسات المنظمة.
المرحوم المحامي/ يحيى إسماعيل حمودة تخلى عن رئاسة المنظمة وقدم استقالته بشكل طوعي ولم يقم بتعطيل دور المؤسسات الوطنية الفلسطينية فيها.
تفرغ المحامي/ يحيى حمودة لممارسة مهنة المحاماة في عمان حتى عام 1985م حيث تقاعد وعاش في الأردن إلى أن وافته المنية يوم 2 حزيران عام 2006م ودفن عمان.
كان المرحوم/ يحيى حمودة يتمنى أن يدفن في مسقط رأسه قرية لفتا.
إن غياب الراحل المحامي/ يحيى حمودة لا يعني غيابه عن الذاكرة الفلسطينية، لا بل أن غيابه هو تجديد لهذه الذاكرة، حيث سيبقى شعبنا وفياً صادقاً ومخلصاً لقياداته السابقة التي حافظ على هذا المكون الرئيسي وهو منظمة التحرير الفلسطينية والتي أصبحت الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني أينما وجد والمعبرة عن طموحاته والمحافظة عليها وعن الهوية الفلسطينية.
إن الشعب الفلسطيني سيظل يذكر على الدوام المناضل الكبير المرحوم المحامي/ يحيى حمودة ومآثره الوطنية العديدة.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جنانه مع النبيين والصديقين والشهداء
وحسن أولئك رفيقا