القائد المفكر خالد الحسن

22 مايو 2019
القائد المفكر خالد الحسن

بقلم اللواء ركن عرابي كلوب

ولد خالد الحسن في مدينة حيفا بتاريخ 13/2/1928م في أسرة وطنية متدينة احتضنت اجتماعات الشيخ عز الدين القسام ورفاقه، حيث كان والده إمام مسجد، كان خالد أكبر أخواته، تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في مدارس حيفا التي كانت تعتبر من أكبر موانئ البحر الأبيض المتوسط وأهمها على الإطلاق، وفي عام 1947م أرسله والده الشيخ الجليل (محمد سعيد) إلى لندن لدراسة الاقتصاد في (لندن سكول) أثر نكبة عام 1948م وتشريد الشعب الفلسطيني من دياره هجرت عائلته إلى لبنان ومن ثم إلى سوريا حيث استقر بهم المطاف في مخيم اليرموك.

بعد وفاة والده الشيخ الجليل تولى خالد الحسن رعاية الأسرة باعتباره أكبر أشقاءه فعمل مدرساً للغة الإنجليزية في المعهد العربي الإسلامي لعدة سنوات.

في عام 1959م أسس مجموعة تحرير فلسطين ثم ساهم مع شقيقه على في تأسيس حزب التحرير الإسلامي، لكن الرئيس السوري آنذاك، أديب الشيشكلي أطبق على هذا الحزب مما اضطر خالد الحسن إلى مغادرة سوريا إلى الكويت.

عند وصوله إلى الكويت تخلى خالد الحسن عن انتمائه لحزب التحرير حيث عمل موظفاً في مجلس الإنشاء الكويتي ثم سكرتيراً لبلدية الكويت، وخلال وجوده في الكويت بدأ نشاطه السياسي حيث التقى بكل من ياسر عرفات وخليل الوزير وغيرهم ممن أصبحوا فيما بعد قادة حركة فتح، حيث التحق بالحركة وأصبح عضواً فيها عام 1960م مع عدد من مجموعته.

كان تنظيم الحركة في الكويت يعج بأسماء أصبحت قادة للمستقبل منهم: ياسر عرفات، خليل الوزير، عادل عبد الكريم، يوسف عميره، فاروق القدومي، خالد الحسن، عبد الله الدنان، محمود مسودة، صلاح خلف، سليم الزعنون، وآخرين والذين عايشوا البدايات وأنظموا فيما بعد إلى عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح على فترات متعاقبة.

شارك خالد الحسن في أعمال المؤتمر الفلسطيني الأول الذي عقد في مدينة القدس عام 1964م عن تنظيم حركة فتح مع كل من ياسر عرفات، زهير العلمي، محمود عباس، رفيق النتشة، خيري أبو الجبين، كمال عدوان وهاني القدومي، وقد ضم المؤتمر الفلسطيني الأول ما لا يقل عن 15 شخصاً من حركة فتح.

أصبح خالد الحسن عضواً في اللجنة المركزية للحركة عام 1967م بعد أن تفرغ للعمل فيها، وفي عام 1969م أصبح عضواً في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عن حركة فتح حيث تولى منصب رئيس الدائرة السياسية فيها حتى العام 1971م، حيث ظهر كمفكر سياسي عربي وإسلامي وكخطابي بارع، لا يشق له غبار.

تسلم خالد الحسن مهمة مفوض التعبئة والتنظيم في حركة فتح منذ عام 1971 وحتى عام 1974م حيث أثرى التنظيم بالنشرات الفكرية والأدبيات واستطاع أن يولد آلية تفكير متصلة في عقل القيادة وفي نفس الكادر الفتحاوي وبين الجماهير وجعل من الإيمان والمعرفة والإدراك والفهم مقياساً رئيسياً وإجراء حاسماً بين القائد الفاعل والأطر الأخرى حيث أسس في هذا المجال مدرسة خاصة في المصطلحات والمعارف، أثرى فكر حركة فتح وقدرتها على التطور وتميز بقدراته العقلية في الاستنباط والاستنتاج والتحليل والملاحظة والربط والإدراك والاستقراء والذكاء والرؤية الثاقبة.

تسلم خالد الحسن رئاسة لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الفلسطيني.

لقد كتب خالد الحسن المئات من المقالات التي نشرت في الصحف العربية والأجنبية كما قام بإلقاء عشرات المحاضرات في دول مختلفة من العالم وقام بتأليف عشرات الكتب.

كان العملاق خالد الحسن يتسم بالوضوح والصراحة اللذان شكلا سيفه المصلت على رقاب المتلاعبين بالألفاظ، لقد كان من أهم مميزات المفكر السياسي الكبير خالد الحسن عنده النص حيث كان مقدساً حينما يتعلق الأمر بالإستراتيجية العليا والمبادئ، أما التكتيك والمرونة، ففيهما مسموح بقدر ما تحافظ على جوهر الصلابة الميدانية.

خالد الحسن ذو قامة طويلة ضخمة ووجه محبب لمن ينظر إليه، وصاحب بنيه متينة ويتحرك دائماً وغليونه لا يفارق يده، ويتميز بالبساطة والتواضع الشديد، رغم تألقه الفكري وإبداعه العقلي إنه ببساطة فيلسوف الثورة وحكيمها، أنه المنظر والمفكر والسياسي والدبلوماسي ورجل التنظيم، الذي خاض جولات عديدة في مقارعة المعسكر الآخر معتمداً على المحاججة والإقناع.

 من أقوال خالد الحسن (أبو السعيد):

• السياسة هي فن الصدق مع الشعب وفن المناورة مع العدو وهي تحقيق الممكن في إطار العدالة.

• إن العلاج المطلوب لما هو قائم على الساحة الفلسطينية يجب أن ينتج عن قناعة لدى الجميع وعن حرص الجميع على سلامة بنية الثورة الفلسطينية قاعدة وقيادة ومسيرة نضال وعمل وهذا يعني أن يأخذ كل دوره الذي ارتضاه لنفسه لا أن يخترق كل تنظيم أدوار غيره، فيفقد خصوصيته أو يتناقض مع خصوصية مرحلة التحرير الوطني الفلسطيني وأن يمارس كل تنظيم دورة الحقيقي بشكل علني ليواجه الجماهير به، إن العلاج المطلوب يجب أن يكون إرادياً وليس قسرياً طالما لم يتعرض جوهر المسار النضالي الوطني للخطر.

• إن الفكرة قيام دولة فلسطينية بعد حرب أكتوبر 1973م أصبحت مسألة ملحة لأن القادة العرب تحولوا فجأة من الحديث عن النضال إلى الحديث عن السلام، ومن التمسك بالقضية الفلسطينية كمحور تفكير سياسي إلى الابتعاد العملي عن القضية وإعطائها للفلسطينيين.

• انتبهوا لما يريد الشعب ستعرفون الطريق الصحيح

لقد كان لعضوية خالد الحسن في قيادة حركة فتح ورئاسته للجنة العلاقات الخارجية في المجلس الوطني الفلسطيني تأثيراً عميقاً في اتجاهات مختلفة تأثير في البرلمانات العربية والإسلامية والأوروبية والعالمية، تأثير في الوسط القيادي الذي انتخب ليصعد إليه، تأثير في أوساط الكادر النشط في حركة فتح ولدى الفصائل الفلسطينية على اختلاف اتجاهاتها بل والعربية أيضاً.

لقد كان القائد الراحل خالد الحسن يرفض وبقوة منطق النفوذ والاستبداد ومنطق الديكتاتورية والاستزلام ومنطق أضعاف التنظيم أو تحطيمه، كما كان يرفض منطق العشائرية والمناطقية وحاربها بنفس الدرجة التي كان يدعو فيها ويسعى للقيادة الحكيمة أو القيادة الجماعية.

إن الكثابة عن القائد المفكر والمنظر خالد الحسن فيلسوف الثورة وعقلها المميز وساحر العقول ومحير الألباب، لهو أمر في غاية الصعوبة، حيث لا يمكن لأحد أن يوفيه حقه في مقال هنا أو هناك، فخالد الحسن ذلك الأرث الوطني الكبير.

لقد كان الراحل خالد الحسن من جيل الرواد من فتح، رجال تحملوا أعباء مرحلة التأسيس رغم قلة إمكانياتها، كانوا رجالاً منذ أن صنعوا من المعاناة ثورة ولم يكن في نهجهم أن يكونوا قادة بل إن شعبهم نصبهم قادة بعد أن شاهد أفعالهم وتضحياتهم.

في التاسع من شهر أكتوبر عام 1994م حل الأجل المكتوب بالقائد الكبير خالد الحسن في المملكة المغربية الشقيقة حيث صعدت روحه الطاهرة إلى جوار ربها راضية مرضية مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

في هذا اليوم ودع الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح فارساً من فرسانها الأوائل وقائداً طليعياً من رموز نضالنا الوطني الفلسطيني وأحد مؤسسي حركة فتح القائد الكبير خالد الحسن (أبو السعيد) عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ونجمها الساطع دائماً كالطود الشامخ.

أبو السعيد الذي لقد تركت فينا ذاتك المتوهجة الحضور في عتمة الغياب وتطل علينا من عليين روحك الطاهرة ترقب وفاءنا لعهدنا ولقسمنا.

هذا وقد شيعت المملكة المغربية شعباً وحكومة وملكاً جثمان القائد الكبير/ خالد الحسن إلى مثواه الأخير بما يليق بمقامة حيث كان يحمل الجنسية المغربية.

الرحمة لك يا أبا السعيد وليعوضنا الله عنك خيراً في زمن عز فيه الرجال وسلاماً على روحك الطاهرة.