الشهيد العقيد عبد الغفار حلمي الغول

admin
2020-04-29T22:00:55+04:00
الذاكرة
29 أبريل 2020
الشهيد العقيد عبد الغفار حلمي الغول

بقلم اللواء ركن عرابي كلوب

قبل النكبة بعام واحد، أي في عام 1947م، وفي قرية العباسية رأى النور الطفل/ عبد الغفار حلمي الغول تلك القرية التي كافح فيها الشيخ/ حسن سلامة، هاجرت أسرته عام 1948م لتستقر في الأردن، حيث أنهى دراسته التعليمية عام 1966م.

عاش عبد الغفار الغول كغيره من أبناء شعبه الفلسطيني مرارة اللجوء في مخيمات الشتات، وبعد هزيمة حزيران عام 1967م، كانت أقصر الطرق إلى فلسطين والوطن هي الثورة، فالتحق بحركة فتح في ذلك العام، حيث اتخذ لنفسه اسم (راسم)، عمل في جهاز الرصد المركزي عام 1968، و شارك في معركة الكرامة في نفس العام 1968م، لم تكتب لراسم الغول الشهادة في معركة الكرامة، فأكمل مشواره.

شارك في الدفاع عن الثورة الفلسطينية عام 1970م، أثناء الاشتباكات بين قوات الثورة الفلسطينية وقوات الجيش الأردني، حيث أصيب عام 1971م في تلك المعارك بجراح خطيرة، دفعه للتفكير جدياً بالاستفادة من الجرحى حتى لا يبقوا عبئاً على الثورة، فبادر إلى تشكيل لجنة جرحى الثورة الفلسطينية و اخضاع الجرحى إلى برنامج تأهيلي يستفيدون منه، ويفيدون القضية الوطنية، وذلك بعد خروجهم من الاردن إلى لبنان حيث عمل في إقليم لبنان، شكل من هؤلاء الجرحى كتيبة تولى راسم الغول قيادتها بقرار من الأخ/ أبو عمار، و ألحقت كتيبة الجرحى وعلى رأسهم راسم الغول إلى قوات ال 17 حيث كان مقر قيادة الكتيبة يقع في مخيم برج البراجنة، وأصبحت هذه الكتيبة تقوم بحماية المخيم حتى منطقة مطار بيروت الدولي.

شارك راسم الغول في جميع المعارك التي حدثت أثناء الحرب الأهلية في لبنان سواء في منطقة وادي أبو جميل أو الاسواق، أو برج البراجنة، وأرسل فصيل من الكتيبة للمشاركة في عملية خاصة بأوغندا ضمن القوات التي شاركت هناك فترة حكم الرئيس عيدي أمين بقيادة اللواء الركن/ محمود دعاس (أبو خالد) حيث استشهد بعض أفراد الفصيل.

في عام 1982م وأثناء الغزو الإسرائيلي للبنان، كان راسم الغول مسؤولاً عن منطقة المطار –وبرج البراجنة- الرمل العالي، و خاض معارك ضارية مع قوات العدو، و أثناء الاشتباكات أصيب راسم الغول في المطار إصابة خطيرة، نقل على أثرها إلى مستشفى الجامعة ببيروت، حيث تم نقله عن طريق الصليب الأحمر الدولي مع مجموعة من المصابين، وكانت إصابتهم خطيرة إلى اليونان.

بعد الانتهاء من علاجه صدر قرار من الأخ القائد العام/ أبو عمار بتعينيه ملحق عسكري بالسفارة الفلسطينية في دولة الإمارات العربية المتحدة، و عندما بدأ العد التنازلي لإعادة بعض الكوادر و الضباط إلى الساحة اللبنانية، كلف راسم الغول بالالتحاق بإخوانه في بيروت، فلم يتأخر و ترك عمله بالسفارة، وتم ترتيب سفرة إلى لبنان ووصل إلى الجنوب اللبناني، حيث أخذ في إعادة تجميع وتشكيل قوات ال 17 هناك، و استطاع في فترة قصيرة من الزمن بأن يشكل حالة فتحاوية في الجنوب اللبناني متجاوزاً المخاطر والصعاب التي شكلتها تلك العودة إلى لبنان.

لم يطل راسم الغول المكوث في الجنوب اللبناني، حيث قام أعداء فتح بنصب كمين له و تم اختطافه، و من ثم قتله على يد العميل السوري/ جمال سليمان الذي عمل مع الجماعات التكفيرية واستغلته سوريا وكان استشهاده بتاريخ 19/8/1987م. فكان له ما أراد دوماً حيث نال الشهادة أسوة بالشهداء الذي سبقوه على الدرب، حيث كان هنالك قرار من النظام السوري بتصفية كل ضابط يأتي من الخارج إلى الساحة اللبنانية للالتحاق بحركة فتح.

نقل جثمان الشهيد/ راسم الغول بعد خمسة عشر يوماً إلى عمان حيث شيعت جنازته بمشاركة قيادات من الحركة و أعداد غفيرة من المناضلين و الجماهير إلى مقبرة سحاب بالقرب من العاصمة الأردنية عمان.

العقيد/ راسم الغول أحد ضباط قوات الـ 17 المتميزين بصفاتهم، و سلوكهم، وانضباطهم، و جرأتهم، و فيه ميل إلى الكوميديا في أقصى لحظات التراجيديا، لم يكن له في اسمه نصيب سوى أنه (راسم)، و بالفعل كان يرسم العديد من المواقف الاجتماعية، و النضالية، وفقاً لرؤيته الخاصة التي تفاجئ الآخرين، الأمر الذي يعكس على أفعاله حالة من التناقض، تتراوح بين الاعجاب والسخط.

راسم الغول، مقاتل عنيف، يبدو في تلك الحالة كأنه لا يعير للنظريات السياسية أي اهتمام في حالة الدفاع عن الثورة.

راسم الغول ابن النكبة، و ابن النكسة، و ابن المخيم، و ابن القضية، هذا المشاكس قبضاي الحارة، وهو يضع سوار من الجلد المرصع بالدبابيس المعدنية حول رسغه، ذو عضلات مفتولة، ولا يؤمن إلا بالفعل، وتنفيذ الأوامر كما هي.

راسم الغول، هذا الولد الفلسطيني الشعبي، كانت له نوادره التي لا تنتهي، فكل يوم يوجد فيها قصة يكون راسم الغول بطلها، حتى الاشكالات الداخلية التي عاشتها حركة فتح في بيروت بين يسار سوفيتي، ويسار على الطريقة الصينية، و يمين متجذر، ويمين وسط، ويسار وسط و اشتراكي مفتوح، وغيرها من تلك التكتلات التي كانت تظهر بين الحين و الآخر، الأمر الذي لا يتسم بالغرابة أبداً في حركة لم تتبنى إيديولوجية فكرية، سوى الهدف النهائي، ألا وهو التحرير حاشدة كل الأفكار والتوجهات والايديولوجيات في بوتقة واحدة اسمها (فتح) وبرز هذا الصراع الفكري أكثر ما برز في بيروت.

لم يكن الغول مفكرا أيديولوجياً، وكان يقيس مدى حبه وكراهيته لأي تيار حسب ميول الشهيد القائد/ ياسر عرفات، وهذا كان أشكال راسم الغول الذي تندر على اليسار بقوله (اذا أمطرت في موسكو حملوا المظلات في بيروت)، لقد كان راسم الغول هو نفسه على استعداد للتضحية من أجل فلسطين.